كتب فرناندو كارفاخال، المدير التنفيذي للمركز الأمريكي لدراسات جنوب اليمن وعضو سابق في لجنة خبراء مجلس الأمن المعنية باليمن، أن الحرب الأهلية في السودان هي الأكثر دموية في العالم، إذ يحتاج نحو 26 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، فيما يفتقر 10 ملايين نازح إلى المأوى والرعاية الصحية مع تصاعد خطر المجاعة.

 

أدّى استمرار تعطّل اتفاق وقف إطلاق النار إلى تفاقم المعاناة، بينما يواصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، رفضه للبيان المشترك الذي أصدرته الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية، وهي دول ما يُعرف بـ"اللجنة الرباعية" المعنية بالسياسة تجاه السودان.
 

تحالفات مضطربة ومحاور جديدة

 

خلال زيارته إلى الدوحة، دعا البرهان قطر وتركيا إلى لعب دور الوسيط بينه وبين خصمه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في خطوة فسّرها محلّلون كمحاولة لانتزاع الملف من أيدي الرباعية.

 

تصريح البرهان بأن بيان الرباعية "لا يعنينا" اعتُبر تحدّياً مباشراً لتلك الدول، ورسالة تأكيد على تحالفه مع الإسلاميين في ظلّ تزايد القلق الأمريكي والخليجي من تصاعد نفوذ جماعات مرتبطة بالإخوان المسلمين.

 

يحاول البرهان استغلال علاقات قطر الوثيقة بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وصداقة ترامب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليوازن بين السعودية والإمارات، ويمنح في الوقت ذاته دوراً أكبر لمصر التي تسعى إلى تعزيز مكانتها الإقليمية واستخدام علاقتها بالبرهان وقطر لدعم مواقفها في نزاعاتها مع إثيوبيا وإسرائيل.

 

يتزامن تقارب البرهان مع أنقرة والدوحة مع تصريحات لقيادات إسلامية مثل علي أحمد كرتي، وزير الخارجية الأسبق، الذي ندّد بـ"تدخّل الرباعية السافر في الشؤون الداخلية للسودان". كما اتّهمت "تنسيقية القوى الوطنية السودانية" – وهي تحالف لجماعات مسلحة موالية للجيش – الرباعية بـ"التحيّز الفاضح" ضد الجيش، ورفض إشراك قوات الدعم السريع في أي مفاوضات.
 

تحوّلات في الميدان وتدفّق السلاح

 

رغم سيطرة مجلس السيادة الانتقالي على الخرطوم في مارس 2025، إلا أن مقره الفعلي بقي في بورسودان على بعد نحو 800 كيلومتر شرق العاصمة.

 

تواجه القوات المسلحة السودانية والميليشيات المتحالفة معها، مثل كتيبة البراء بن مالك وقوات الدرع السوداني، هزائم متتالية زادت الضغوط الداخلية لوقف تدخل القوى الإقليمية المنافسة.

مع تزايد الخسائر، توسّع البرهان في بناء تحالفات عسكرية جديدة شملت الحوثيين في اليمن وباكستان، وبدأت تدفّقات السلاح تتنوّع مع ورود تقارير عن حصول الجيش على طائرات مسيّرة من إيران.

 

أما قطر، فتلعب دوراً أكثر خفاءً في دعم القوات المسلحة، من خلال إمدادات يُعتقد أنّها شملت إنزالاً جوياً قرب الحدود التشادية في أكتوبر الماضي، وفق تقارير استخبارية. ويرى مراقبون أنّ الدوحة تواصل عبر هذا الدور حرباً بالوكالة ضد خصومها العرب، في دعم غير مباشر للفصائل الإسلامية داخل السودان.
 

الوساطة أم التغطية على الجرائم؟

 

يشير بعض المراقبين إلى أن حماسة البرهان للوساطة القطرية والتركية تعكس محاولة لتحويل الأنظار عن الانتهاكات المنسوبة إلى جيشه.

 

في السادس من نوفمبر، نفّذت طائرة مسيّرة هجوماً على قافلة قرب الحدود التشادية، وأعلنت قوات الدعم السريع أنّ القافلة كانت تنقل مساعدات إنسانية إلى إقليم الفاشر. سبق الهجوم ثلاث ضربات أخرى استهدفت قوافل للأمم المتحدة في مليط وكومه ونيالا، وهي مناطق تخضع لسيطرة قوات حميدتي.

 

تواجه إدارة ترامب تحديات في التعامل مع هذه التطورات. فقد أعلن مستشاره لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا مسعد بولص أن "الطرفين وافقا مبدئياً على مناقشة وقف إطلاق النار"، بينما تؤكد تقارير أن الجيش السوداني "لا يزال يصر على القتال".

 

يحذّر كارفاخال من أن واشنطن يجب ألا تنجرّ إلى "فخ البرهان"، إذ إن توسيع طاولة المفاوضات لتشمل قطر وتركيا قبل تحديد أولويات واضحة لوقف إطلاق النار قد يؤخر الحل ويمنح نفوذاً أكبر لدول ترى أن تمكين الإسلاميين في الخرطوم أهم من إنهاء الحرب.

 

تتّسع رقعة الحرب الأهلية السودانية كل يوم، وتتعدّد القوى المتدخلة فيها بين داعم معلن وآخر خفي. وبينما يروّج البرهان لوساطة تركية قطرية قد تُنقذ السودان من التفكك، يخشى كثيرون أن تكون هذه المبادرة مجرد غطاء جديد لإعادة إنتاج تحالف إسلامي قديم، يُبقي البلاد رهينة صراعات المحاور، ويؤجّل السلام الذي ينتظره ملايين السودانيين العالقين بين الجوع والنزوح.

 

https://www.meforum.org/mef-observer/will-turkey-and-qatar-seek-to-mediate-an-end-to-the-sudanese-civil-war